الإنتماء أخذ وعطاء...!!
10/30/2023 12:00:00 AM
الإنتماء من الإحتياجات الأساسية للإنسان، ولا أتردد فى القول أنه مكون رئيسى وأساسى فى الطبيعة البشرية.
نعم! كما يحتاج الإنسان إلى الحب، والأمن، والنجاح، والتقدير، والتميز والتفرد، والمكانة، والمرجعية هكذا يحتاج الإنسان إلى الإنتماء، والحقيقة التى لا يشوبها أدنى شك أن الإنتماء له زوايا متعددة وأبعاد متنوعة، وأشكال والوان لا حصر لها أذكر منها:
1. الإنتماء والبعد النفسى
الإنتماء أحد الحاجات النفسية الأساسية التى بدونها لا تستقيم النفس، ولا يهنأ ولا يهدأ الإنسان.
والإنسان اللامنتمى يحس أنه فى حالة من الصراع والفراغ والضياع، ويشعر بالعزلة والوحدة، وكأنه فى سجن إنفرادى، أو فى جزيرة منعزلة مليئة بالوحوش، وكل مَنْ وما حوله ظلام يدعو للفزع والهلع، يعانى من عزلة الأنا، ورفض الآخر.
ويتصور أن الآخرين يعطلون تقدمه، ويعرقلون مسيرته، ويعوقون نجاحه، وحجر عثرة فى طريق تحقيق ذاته.
مع أن الحقيقة غير ذلك تماماً، فالإنسان لا يُكتمل إلا بالآخر ففيه يجد العون والسند، وفيه ومعه يتحقق المزيد من الحب والعطاء، والتعلم والإقتداء، والولاء والوفاء، ومن خلاله تتكون الأسرة والمجتمع.
فبدون التواصل مع الغير يعيش الإنسان وحيداً مغترباً، لا دور له في الحياة، ولا شك أن الإحساس بالوحدة شعور قاتل ومدمر لأي إنسان حتى لو كان رصيده مال الدنيا بأسرها.
وفي يقيني أن الحياة تعني الحب ... ومَنْ يحب الحياة عليه أن يعيش حياة الحب، فالحب يمثل إحتياجاً نفسياً أساسياً للإنسان، بمعنى أن يُحِبَ ويُحَبْ...أي أن يكون محباً للآخرين، ومحبوباً منهم.
سأل أحدهم في يوم من الأيام الرب يسوع " يامُعَلِّمُ، أيَّةُ وصيَّةٍ هي العُظمَى في النّاموسِ؟". فقالَ لهُ يَسوعُ:"تُحِبُّ الرَّبَّ إلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ، ومِنْ كُلِّ نَفسِكَ، ومِنْ كُلِّ فِكرِكَ. هذِهِ هي الوَصيَّةُ الأولَى والعُظمَى. والثّانيَةُ مِثلُها: تُحِبُّ قريبَكَ كنَفسِكَ. بهاتَينِ الوَصيَّتَينِ يتعَلَّقُ النّاموسُ كُلُّهُ والأنبياءُ"(مت22: 36- 40). ولقد لخص أحدهم هذه الوصية العظمى في قوله:" حب الله وحب الآخر بابان يفتحان ويغلقان معاً".
2. الإنتماء والبعد الإجتماعى
الإنسان مخلوق كائن إجتماعى ... فى حاجة ماسة ودائمة إلى الآخر، والإنسان الإيجابى هو الذى لا ينغلق على نفسه بل ينفتح على الآخر فيستفيد ويستزيد من خبرات الآخرين، ويعطى ويفيد من خبراته للآخرين.
لذلك فالإنسان الذى يريد أن يطور نفسه عليه أن يدرب نفسه على الإقتراب من الآخرين الناجحين ويسألهم عن سر نجاحهم، ويتعلم منهم .
إن أحد أسرار نجاح موسى فى القيادة أنه تهذب بكل حكمة المصريين فكان مقتدراً فى الأقوال والأعمال (أع7: 22).
لقد استطاع موسى أن يقود الشعب بحكمة وإقتدار بناء على نصيحة يثرون حميه الذى كان يراه يجلس كل يوم وطول اليوم يقضى للشعب، فآشار عليه أن يقيم رؤساء الوف، ورؤساء مئات، ورؤساء عشرات على أن يقضى هو فى الدعاوى الكبيرة فقط (خروج18)، وتعلم أليشع الخدمة على يد إيليا، وتعلم تيموثاوس على يد الرسول بولس هذا على سبيل المثال لا الحصر:
نعم! كما يقول الحكيم:" سامِعُ المَشورَةِ فهو حَكيمٌ."(أم12: 15). " الخَلاصُ فبكَثرَةِ المُشيرينَ."(أم11: 14). أما الشخص الذى يتقوقع حول نفسه، وينطوى على حاله وينزوى بعيداً عن الناس، فيخسر خسائر لا تحصى ولا تعد لأنه يدور حول نفسه بنرجسية بغيضة وأنانية كريهة. فالإنتماء إحتياج إجتماعى.
3. الإنتماء والبعد الروحى
والإنتماء أيضاً إحتياج روحى إذ كيف يستطيع الإنسان يعيش حياته الروحية بدون الآخر؟ فالآخر فرصة حب وتعاون وتعلم وقدوة وتلمذة، ونمو روحى، واكتساب فضائل.
ولذلك نجد الرسول بولس يشّبه الكنيسة بصورة " الجسد الواحد" لكى ينبه على أهمية الإنتماء روحياً، والحقيقة أنه بعيداً عن الجسد، لا يوجد للعضو قيمة، فالعضو لا يكون عضواً له دور ورسالة وهو بعيد عن الجسد. هذا وقد أشار الرسول بولس إلى حتمية التنوع فى أعضاء الجسد الواحد قائلاً:" لو كانَ كُلُّ الجَسَدِ عَينًا، فأين السَّمعُ؟ لو كانَ الكُلُّ سمعًا، فأين الشَّمُّ؟ ... فالآنَ أعضاءٌ كثيرَةٌ، ولكن جَسَدٌ واحِدٌ "(1كو12: 17، 20).
فالتنوع هو مصدر جمال الجسد" لأنَّهُ كما أنَّ الجَسَدَ هو واحِدٌ ولهُ أعضاءٌ كثيرَةٌ، وكُلُّ أعضاءِ الجَسَدِ الواحِدِ إذا كانَتْ كثيرَةً هي جَسَدٌ واحِدٌ، كذلكَ المَسيحُ أيضًا... فإنَّ الجَسَدَ أيضًا ليس عُضوًا واحِدًا بل أعضاءٌ كثيرَةٌ. "(1كو12: 12، 14).
والدارس المدقق لفكرة الكنيسة فى كلمة الله، يرى الرب يسوع فى (مت5: 13- 16) يشّبه الكنيسة بأنها "ملح الأرض" و " نور العالم" وهذا يعنى أنه على الكنيسة أن تتغلغل فى داخل المجتمع، فالملح لا يعزل ولا قيمة له إذا بقى مخزوناً، فيقول: "أنتُمْ مِلحُ الأرضِ، ولكن إنْ فسَدَ المِلحُ فبماذا يُمَلَّحُ؟ لا يَصلُحُ بَعدُ لشَيءٍ، إلا لأنْ يُطرَحَ خارِجًا ويُداسَ مِنَ الناسِ. وهكذا النور، يقول الرب يسوع: "لا يُمكِنُ أنْ تُخفَى مدينةٌ مَوْضوعَةٌ علَى جَبَلٍ، ولا يوقِدونَ سِراجًا ويَضَعونَهُ تحتَ المِكيالِ، بل علَى المَنارَةِ فيُضيءُ لجميعِ الذينَ في البَيتِ. "(مت5: 13- 15).
نعم! إن كان الله قد أوجد الكنيسة فى العالم لرسالة، فإن نبرة الإنسحاب والسلبية والتقوقع على الذات هى أكبر جريمة فى حق الدعوة الإلهية ... نحن ننتمى إلى السماء ولكننا نعيش على الأرض فترة زمنية معينة دعانا الله إليها، فلا ننعزل ولا ننسحب ولا نهرب مهما كانت ظروف المجتمع الذى نعيش فيه.
والحقيقة هى أن الكنيسة عندما تغترب عن مجتمعها ولا تنتمى له فإنها تقصر فى حق ذاتها، وفى حق مجتمعها، وفى حق سيدها لأنها تتراجع عن دورها ورسالتها ومهمتها وهدفها التى وجُدت من أجلها.
دوائر الإنتماء: لكل إنسان دوائر ينتمى إليها تبدأ من إنتمائه إلى أسرته ثم تتسع شيئاً فشيئاً لتصل إلى دوائر أوسع وأكبر مثل عمله وديانته، ومجتمعه وغيرها من إنتماءات.
وفى هذا المقال أود أن يتجه الحديث بالتحديد عن الإنتماء للوطن.
نعم! لقد شهد الفكر المسيحي عبر تاريخه الطويل ثلاث نظريات بشأن العلاقة بين المسيحي والوطن وهم بإيجاز:
النظرية الأولى: نادت بالفصل الكلي بين الكنيسة والمجتمع وهذا ما جعل المسيحي يصاب بإنفصام بين عبادته وشهادته، وبين إيمانه وأعماله.
النظرية الثانية: نادت بالتغلغل الكامل للكنيسة في المجتمع من خلال خدماتها الإجتماعية ونزولها إلى المعترك السياسي، وهذا الإتجاه صبغ رسالة الإنجيل بصبغة إجتماعية، الأمر الذي أضعف رسالة الكنيسة الروحية، وجعل ملامح حياتها المقدسة تخبو، وإمتدادها ونموها يتراجع.
والنظرية الثالثة: نادت بإنجيل كامل لإنسان كامل، بمعنى كما أن الكنيسة تهتم وتنادي للإنسان بمحبة الله وغفرانه لخطاياه، وأهمية وجود علاقة وشركة حميمة بالرب، عليها أيضاً أن يكون لها الدور الإيجابي والفّعال في تسديد وإشباع متطلبات الإنسان الجسدية، وهذا الإتجاه هو الذي يتوافق مع الحق الكتابي كما سنراه في الأفكار الآتية:
أولاً: المسيحي يخضع لسلطة الدولة:
يقول الرسول بولس" لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ".(رو13: 1).
ويقول الرسول بطرس" فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ" (1بط2: 13).
وقبل هذا وذاك فالرب يسوع في أيام تجسده جاء إليه البعض يسأله " أَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نُعْطِيَ جِزْيَةً لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟ فكانت إجابته أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ للهِ". (لو20: 25).
من هذه الشواهد الكتابية يتضح لنا أن كلمة الله توصينا بالخضوع لسلطة الدولة ودستورها وقوانينها وأنظمتها بإعتبارها أداة لحفظ البلاد، فبدون سلطان الدولة وهيبتها يتحول المجتمع إلى غابة تسوده الفوضي ويعمه الفساد.
ثانياً: المسيحي يشارك في صناعة مصير بلاده:
على المسيحي وقد إلتهب قلبه بحب وطنه، ويرغب في خدمة مجتمعه الذي يعيش فيه، عليه أن يمارس حقوقه المدنية، ويشارك بإيجابية وفاعلية في مختلف المجالات السياسية التي يمكن أن يخدم من خلالها وطنه، وأن يساهم في صناعة القرارات المصيرية لبلاده، ويبدي رأيه في دستورها وقوانينها وقراراتها وسياساتها.
نعم! لقد دعانا الرب يسوع إلى الإنتماء والولاء للوطن، وعلمنا أن نربط دائماً بين السماء والأرض، بين الله والإنسان، بين الكنيسة والمجتمع، بين العبادة والشهادة، بين العقيدة والسلوك. فما جمعه الله كيف نفرقه نحن؟!.
هذا والجدير بالذكر أنه شتان الفرق بين دور الإنسان المسيحي، ودور الكنيسة كهيئة. فالكنيسة تشجع أبنائها على الإنخراط والإلتحاق بالعمل الوطني السياسي بصفة عامة لكنها لا توجههم إتجاهاً سياسياً معيناً، فهي تحترم حرية الإنسان وتفكيره وقراره وإختياره، أما الكنيسة في ذاتها فهي لا تربط نفسها بحزب أو إتجاه سياسي معين مهما كان برنامجه رائعاً، فالكنيسة تقوم بدورها الروحي في رعاية شعبها وتعلمهم وتقودهم إلى معرفة الله ومخافته وإتمام مشيئته، وتؤدي دورها الإجتماعي للمجتمع ككل.
ثالثاً: المسيحي يخدم وطنه:
عندما نتأمل في حياة الرب يسوع على الأرض نجد أن ميلاده كان بمثابة مبادرة سلام بعد أن ضاع الأمان، ورسالة نور بعد أن عم الظلام، وحياته كانت نموذجاً للعطاء المنقطع النظير، فلم يعش يوماً واحداً لذاته، بل أعطى كل حياته لمجتمعه إذ كان يجول يصنع خيراً، ويشفي المرضى، ويقيم الموتى، ويشهد للحق ويقيم العدل، ويدافع عن المظلوم، ويشبع الجائع، ويهدي الضال، وينثر الحب للجميع.
فالمسيحي يشعر أن خدمة وطنه مسئووليه في عنقه، لا يفكر لحظة واحدة في الهروب منها، وواجب مقدس لابد أن يؤديه على أكمل وجه، والتزام أصيل لابد أن يقوم به عن طيب خاطر وبكل سرور.
نعم! إن حب الوطن وخدمته لا يمكن أن يكون شعراً نتغنى به فقط، أو شعارات نرددها فحسب، وإنما المواطنة الحقيقية هي بالحرص على مصالح الوطن، والحفاظ على مؤسساته ومكتسابه، وحماية أراضيه والدفاع عنه، وبالسعي الدائم والدائب على تقدمه وإزدهاره وإستقراره، وذلك بالعمل الأمين الجاد، والعطاء الصادق المتميز.
رابعاً: المسيحي يحب أهل بلده:
لقد دعانا الرب يسوع إلى حب الجميع دون تفرقة، وقد علمنا أن محبة الله لا تكتمل إلا بمحبة الأخر في الوطن ودليل ولقد كان المقصود بالقريب هنا هو المواطن الآخر الذي يعيش معي في الوطن.
والرسول يوحنا يدعو الآخر بـ(الأخ) ويقول:" كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ،."(1يو3: 15).ويواصل حديثه عن محبه الآخر فيقول "وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ إِنْ قَالَ أَحَدٌ:«إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ (1يو4: 8، 20، 21).
نعم! إن الإنسان مجرب أن يحب مَنْ يحبه، ويعطي مَنْ يعطيه، ويساعد ويساند مَنْ يقف معه ويؤازره فقط لا غير، وفي هذا يقول الرب يسوع في عظة العظات " سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ (مت5: 43- 47) من هذا المنطلق يعيش المسيحي محباً لكل أهل بلده دون تمييز أو تفرقة.
خامساً: المسيحي يشعر بقيمته في وطنه:
إن قيمة المسيحي لا يستمدها من كونه ينتمي إلى الأقلية أو الأكثرية في المجتمع الذي يعيش فيه، لكن المسيحي يشعر بمكانه ومكانته في وطنه بعطائه وتفانيه، بإيجابيته وليس بإنطوائه وسلبيته.
نعم! ما أسعدنا بمصرنا ... بتاريخنا الضارب بجذوره فى أعماق التاريخ، وحضارتنا التى لها أكثر من سبعة آلاف سنة وآثارنا التى نمتلكها والتى هى بمثابة نصف آثار العالم كله.
هذا ومن ناحية أخرى يجب على الوطن أن لا يميز بين مواطن وآخر على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو الِعرق أو غير ذلك فيعامل الكل سواسية، لا يكيل بمكيالين، الكل له نفس الإمتيازات وعليه نفس الحقوق والإلتزامات، ولا أحد فوق القانون، حتى يشعر كل مواطن بقيمته ويفخر بإنتمائه وولائه لوطنه.
سادساً: المسيحي يصلي لأجل بلاده وقياداته:
إن المسيحي مطالب أن يصلي من أجل بلاده وحكامه وجميع المسئولين، فيقول الرسول بولس إلى تيموثاوس " فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ، لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ،".
نعم! جميلة الرسالة التي أرسلها إرميا إلى المسبين في بابل إذ بعد أن أخذ يحثهم ليكونوا إيجابيين ومثمرين، طلب منهم الصلاة من أجل المدينة المأسورين فيها فيقول لهم:" وَاطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ الَّتِي سَبَيْتُكُمْ إِلَيْهَا، وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ بِسَلاَمِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ"(إر29: 7) .
والصلاة في مفهومها ليست كلمات محفوظة نرددها دون أن نعي معانيها، أو مجرد طقس نؤديه وإنتهى الأمر، وإنما المسيحي ما يطلبه في صلاته يعمل ويسعى بإخلاص وأمانة على تجسيده وترجمته في سلوكه اليومي.
عبرة في عبارة:
{ إن الفكر الكتابي يدعونا أن نربط دائماً بين السماء والأرض، بين الله والإنسان، بين الكنيسة والمجتمع، وأن نترجم العبادة إلى شهادة، وأن نجسد الفكر الكتابي في السلوك اليومي، وأن نبرهن على الإيمان بالأعمال}.